لخّص المفكر القانوني الأمريكي لورنس ليسغ حجته عن الآثار غير المقصودة لبروتوكولات الشبكة وبرمجية الخادم على تنظيم سلوكيات البشر في ما عُرف حينها باسم «الفضاء السيبراني» في كتاب «الشيفرة وتشريعات أخرى الحاكمة للفضاء السيبراني»، وهي حجة قدّمها مسبقًا في مقالة بعنوان «دستور الشيفرة البرمجية»، ولخّص حجته كما يلي:

نعلم كيف تنظّم القوانين الأمور على أرض الواقع —من خلال الدساتير والتشريعات والبنود القانونية الأخرى. أما في الفضاء السيبراني علينا أن ندرك كيف تتولى ”تشريعات“ من نوعٍ آخر مسألة التنظيم— كيف تكوّن البرمجيات والأجهزة (بمعنى آخر، ”تشريعات“ في الفضاء السيبراني) ذاك الفضاء وتنظمه في الوقت ذاته. كما قال ويليام ميتشل، هذه الشيفرة المصدرية هي ”قانون الفضاء السيبراني“. أو كما وصفه سابقًا جويل رايدنبيرغ «Lex Informatica» أو القانون المعلوماتي، أو في صياغة أفضل: «الشيفرة تشريع»

Code v2.0 ص 5

«الشيفرة تشريع» كناية واضحة. لكنها جملة تصف الحال بدلًا من أن تدعو لوجوب تغييره. صياغة الجملة ليست ”يجب على الشيفرة المصدرية أن تكون تشريعًا“ بل ”الشيفرة تتشارك مع التشريعات القانونية بخصائص واضحة فيما تتعلق بتقييدها من أفعال البشر على الإنترنت“.

كما هو الحال مع مفهوم الحرية السلبية عند التطرق إلى حرية الرأي والتعبير، قد تُفهم جملة «الشيفرة تشريع» أو قد يُساء فهمها كأنها جملة إيجابية ملزِمة في البيئات التي لا تميّز بين التعبير والأثر عند تطبيق البرمجية. بالنسبة لكل من «إيثيريوم» و«لامبدامو» فإن العالم برمته شيفرة والتعبير من شأنه أن يغير العالم. شيفرة البرنامج مثل الرأي والتعبير، وذلك بالفعل ما أُقر في الولايات المتحدة نتيجة قضية بيرنستاين ضد وزارة العدل.

مثّل «الشيفرة تشريع» شعارًا في بدايات مجتمع إيثيريوم، كيف لا وهذا المجتمع ألهمه مفهوم «العقود الذكية» الذي أوجده نِك سابو وإمكانية تنظيم العلاقات البشرية وإمكانية صرف الموارد الاقتصادية على «سلسلة الكتل». لو عمِلت العقود في البرمجيات باستقلالية عن التحكم البشري لأصبحت الشيفرات تشريعات قانونية بحَرفية تفوق ما يحصل مع شيفرة البرامج في بروتوكولات الإنترنت.

وإذ وقعت واقعة قرصنة «الداو».

خلل واحد في شيفرة «الداو» على سلسلة كتل إيثيريوم والتي كانت تجمع وتنظم الاستثمارات في المشاريع الجديدة، سمح لمخترق بأن يسرّب عملات رقمية تعادل قيمتها خمسين مليون دولار إلى حسابه. استمرت الهجمة بينما حاول المجتمع باستراتيجيات مختلفة إبطاء العملية أو إيقافها، لكنهم لم يتمكنوا من أن يمحو أثارها.

لو كانت جملة «الشيفرة تشريع» شارعة للبرمجية التي عملت على سلسلة كتل إيثيريوم، لما كان من الممكن أصلا محو آثار الهجمة. من غير المهم أن نيات المبرمجين لم تقدم أو تؤخر عندما عملت سلوكيات برمجيتهم المشغلة للداو خلاف مقاصدهم. مهما تَكُن نتيجة الشيفرة المصدرية فهي صحيحة لأنها هي الوالية العادلة على سلوكيات البشر في الشبكة. لا يعالَج الفشل في ترجمة نيات المبرمجين في الشيفرة المصدرية التي تغذّت على سلسلة كتل إيثيريوم إلا بكتابة برمجية أفضل في المرة القادمة. فالشيفرة المنشورة لا تُرد ولا تُستبدل.

ينطبق مفهوم «الشيفرة تشريع» على البرمجية التي تشغّل سلسلة كتل إيثيريوم ذاتها، كما تنطبق على أي شيفرة تعتمد عليها، مثل الداو. يمكن تعديل الشيفرة ونشرها على الشبكة وتشغيلها بسلوك مختلف مستقل عن البرمجية العاملة فوقها. ومهما كانت النتيجة لذلك، سيبقى مبدأ «الشيفرة تشريع» هنا صحيحًا أيضًا لأن الشيفرة المصدرية، وبكل بساطة، هي المُنَظمة للسلوك البشري الذي تمت نمذجته في سلسلة كتل إيثيريوم.

احتدم النقاش حول المحكّم الأعلى في مفهوم «الشيفرة تشريع» هل هو الأخطاء في السلسلة أم الرقع التصحيحية خارجها. مما أدى إلى انفصال إيثيريوم إلى نسختين عقب قرصنة الداو. (لم أشارك في الداو وكان اهتمامي حينها مصبوبًا في رؤية أقل الأضرار الممكنة لمشروع إيثيريوم وأن أمنع إثبات سابقة في هذا المجال، الآن أكتب بناءً على البصيرة التي أنتجها مرور الوقت). اكتسبَت النسخة المعدَّلة من برمجية إيثيريوم، والتي تمكنت من إيقاف سحب العملات في تلك الهجمة، معظم الدعم من الشبكة (أعتذرُ للنقاد الذين يفضلون وصفها ”بالنسخة السابقة“). بينما النسخة التي لم تتعدل استمرت باسم ”الإيثيريوم الكلاسيك“.

تمثلت السخرية في الإيثيريوم الكلاسيكي في وقوع الخيار بين العمل به أو بالنسخة المعدلة التي محت آثار قرصنة الداو، يُقِرُّ الخيار الإنساني أي من الشيفرات سيكون التشريع. لو كان من الممكن أن تطبّق القرارات بسهولة بدلًا من أن نتجاوز إجراءات محددة لما كانت الشيفرة المصدرية سيدة القرار. بالتأكيد البشر هم من يصممون ويطبقون التغييرات على بروتوكولات الإنترنت. لكن زمن تغيير بروتوكولات الإنترنت الأساسية بسهولة أو سرعة قد ولّى. على سبيل المثال، استغرق تطبيق النسخة السادسة من بروتوكول الإنترنت عقدين حتى الآن ولا تلوح نهاية واضحة لهذا المشروع في الأفق حتى الآن.

إذا ما نفينا الصفة القانونية عن الشيفرة المصدرية للإيثيريوم الكلاسيكي فلن تكون الشيفرة المصدرية لنسخة الإيثيريوم الأساسي قانونًا أيضًا، إذ لم يقتصر التغيير على برمجية البروتوكول بل تغيرت نتائج الهجمة على السلسلة أيضًا معها. لكن هذا سيشّوش الخيار الأساسي بين اعتبار مبدأ «الشيفرة تشريع» مُشرّع للإيثيريوم الكلاسيكي وبين اعتباره صفةٌ للإيثيريوم.

المعنى الأول يصبح تناقضًا فور تطبيق البشر له.

أثناء كتابتي لهذه المقالة وصلتني أخبار هجمات ٥١٪ على الإيثيريوم الكلاسيكي، إذ استطاع مخترق بضربة واحدة أن يعيد ألف كتلة في سلسلة الكتل. وما كانت ردة فعل مصممي الإيثيريوم الكلاسيكي إلا أن يعيّنوا محامين بعيدًا عن السلسلة، أي على أرض الواقع.

لو اعتبرنا حقًا أن «الشيفرة تشريع» فهل يعد استخدام الشيفرة المصدرية في الحواسيب لإجراء العمليات الحسابية للتعدين على سلسلة الكتل أيضًا تشريعًا؟ الإجابة هي نعم، إذا كانت على مستوى البرمجية العاملة على سلسلة كتل الإيثيريوم الكلاسيكي. (لستُ محاميةً، يجب أن يؤخذ كلامي هنا بنفس المعنى المقصود من جملة «الشيفرة تشريع»…). فهجمة ٥١٪ هي ببساطة خيار حول أي سلسلة سيتم تعدينها وأي برمجية ستستخدم لذلك. هذا ما شكّل بداية سلسلة الإيثيريوم الكلاسيكي.

يمكننا أن نستنتج مجموعة من الأخلاقيات المتماسكة من كل ما سبق. برامج التشغيل، وسلسلة الكتل، والبرمجيات على مستوى السلسلة هي جميعًا حالات يمكن أن تطبق مفهوم «الشيفرة تشريع» بصفتيه الوصفية والمشرّعة، ويمكن النقاش حول عدالة صرف الموارد على الشيفرات المختلفة.

لو ما اعتبرنا الاستعانة بهذه الموارد وبموارد الاقتصاد الإلزامي (أي الاقتصاد الذي لم يبنَ على العملات الافتراضة) وبالقوانين المركزية للدول خيارًا بشريًا، لصار من التناقض أن نسلّم بوجود قيمة تشريعية في مفهوم «الشيفرة تشريع». بأحسن الأحوال تصبح محظورة بنظر المجتمع. وإن سعينا لتنفيذ ذلك بالسبل القانونية المتاحة لازدادت شدة التناقض.

عندما تشترك أنظمة إثبات الحصة (proof-of-stake) وبرمجيات سلسلة الكتل الناضجة والمتعلقة بالبروتوكولات في العمل على برمجيات السلسلة ستتحسن القيمة المشرعة والواصفة في مفهوم «الشيفرة تشريع».

أما أخلاقيات سلسلة الكتل ستبقى معقدةً على المدى القريب.

 

تمت إعادة نشر هذا المقال من موقع https://robmyers.org وفقاً لرخصة المشاع الإبداعي - Creative Commons، للإطلاع على المقال الأصلي