هل ينبغي أن تكون المخرجات المبتَدعة (كالموسيقى والأعمال الفنية والقصائد... الخ) الناشئة عن الذكاء الاصطناعي[1] محمية بحقوق النشر؟ بينما يبدو هذا السؤال مباشرًا، فإن الإجابة بالتأكيد ليست كذلك. إنه سؤال يجمع بين أسئلة فنية وقانونية وفلسفية فيما يخص ”الإبداع،" وما إذا كان من الممكن اعتبار الآلات ”مؤلفة“ تنتج أعمالًا ”أصلية.“
بحثًا عن إجابة لذلك السؤال، أجرينا استفتاء على تويتر نعترف بأن غير علمي، وقد استمر لمدة خمسة أيام من شهر حزيران. ومن المثير للاهتمام أن ٧٠% من إجمالي المجيبين البالغ عددهم ٣٣٨ شخصًا قد أشاروا إلى أن المخرجات الجديدة من نظام للذكاء الاصطناعي تنتمي إلى النطاق العام، بينما أجاب ٢٠% منهم بأنهم ليسوا متأكدين. على سبيل المثال، علّق أحدهم ”بما أن الذكاء الاصطناعي (بالنظر إلى نفس المدخلات ونفس النموذج) سينتج نفس المخرج في كل مرة، من الصعب أن نقول إنه فريد من نوع ومبدع،“ فيما قال آخر باقتضاب: ”الأنشطة الناشئة عن الأنظمة = مدخل غير إبداعي، لذلك لا حقوق نشر لها.“ وأشار مجيب آخر إلى أن الأمر ”يعتمد على طبيعة الذكاء الاصطناعي والمواد المصدرية المستخدمة... لا أعتقد أنك تستطيع أن تضع قاعدة تشمل كل أنظمة الذكاء الاصطناعي.“ وأثار هذا السؤال أيضًا النقاش في المنظمة العالمية للملكية الفكرية عن الملكية الفكرية والذكاء الاصطناعي (الجلسة الثانية) المنعقدة خلال الفترة ما بين ٧-٩ تموز ٢٠٢٠. ولمشاركة آرائنا في السياسة العامة حول هذا الموضع من منظور عالمي، قدمت منظمة المشاع الإبداعي بيانًا خطيًا وأجرت مداخلتين شفهيتين (هنا وهنا).
في التدوينة هذه وهي الأولى ضمن سلسلة عن الذكاء الاصطناعي والإبداعي، نستكشف بعض أساسيات حماية حقوق النشر في محاولة لتحديد ما إذا كان الذكاء الاصطناعي قادرًا على إبداع الأعمال التي تستحق حماية حقوق النشر. وفي التدوينة الثانية، ”الذكاء الاصطناعي والإبداع: هل يمكن للآلات أن تكتب مثل جين أوستن؟“ نأخذك في جولة للاطلاع على مثالين عمليين لنظام ذكاء اصطناعي ينتج محتوى يمكن القول عنه أنه جديد ونطبق عليه معايير استحقاق حقوق النشر. ونأمل من خلال القيام بذلك أن نلقي الضوء على بعض إشكاليات حقوق النشر الناشئة حول مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي حديث الولادة.
ما هي الأعمال التي يمكن أن تستفيد من حماية حقوق النشر؟
لتحديد ما يمثل عملًا إبداعيًا مؤهلًا لحماية حقوق النشر، تعتمد معظم أنظمة حقوق النشر الوطنية على مفاهيم التأليف والأصالة إلى جانب مفاهيم أخرى.
مفهوم التأليف
لتتم حماية عمل بحقوق النشر، يتوجب أن ينطوي الأمر على إبداع من جانب ”المؤلف.“ وتنص اتفاقية بيرن على المستوى الدولي على أن ”الحماية تجب أن تعمل لمصلحة المؤلف“ (المادة ٢.٦)، ولكنها لا تعرف ”المؤلف.“ وكذلك الحال في قانون حقوق النشر في الاتحاد الأوروبي،[2] لا يوجد تعريف لمفهوم ”المؤلف“ لكن قانون السوابق القضائية أقر أن الابتكارات البشرية هي الوحيدة المحمية.[3] هذه المقدمة منعكسة في القوانين الدولية للبلدان ذات تقليد القانون المدني، مثل فرنسا وألمانيا وإسبانيا والتي تنص على أن الأعمال يجب أن تحمل بصمة شخصية المؤلف. وبما أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تملك شخصية يمكن أن تضع بصمتها على ما تنتجه، فإن التأليف يقع خارج حدود الذكاء الاصطناعي.
في البلدان ذات تقليد القانون العام (كندا والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزلندا والولايات المتحدة... الخ)، يتبع قانون حقوق النشر النظرية النفعية، والتي يتم وفقًا لها تقديم الحوافز والمكافآت على ابتكار الأعمال مقابل النفاذ إليها من قبل العامة، كمسألة رفاه اجتماعي. وبموجب هذه النظرية، الشخصية ليست محورية بنفس القدر بالنسبة لفكرة التأليف، مما يعني أن الباب مفتوحٌ للمؤلفين غير البشر. ولكن قضية صورة سيلفي القرد عام ٢٠١٦ في الولايات المتحدة دَلّت على أنه لا يمكن أن تكون هناك حقوق نشر في الصور التي يلتقطها قرد ما، وتحديدًا لأن الصور التقطت دون أي تدخل بشري. وفي هذه النقطة بالذات، يرى مكتب حقوق النشر الأمريكي أن الأعمال التي تبتكرها الحيوانات لا تستحق التسجيل، بالتالي يتوجب أن يكون العمل مؤلفًا من قبل الإنسان ليكون قابلًا للتسجيل. رغم وصف البعض لهذا بأنه طريقة للالتفاف حول المشكلة، يعجز مبدأ الابتكار لصالح العمل أيضًا عن تقديم حل لأن الأمر ما يزال يتطلب إنسانًا ليتم توظيفه كي يبتكر عملًا ما تعود ملكية حقوق نشره إلى رب عمله.
وبما أن أنظمة الذكاء الاصطناعي لا تملك شخصية يمكن أن تضع بصمتها على ما تنتجه، فإن التأليف يقع خارج حدود الذكاء الاصطناعي.
مع ذلك، تمنح بعض الدول (مثل المملكة المتحدة وايرلندا ونيوزلندا) حماية تشبه حقوق النشر إلى الأعمال التي تنشئها الحواسيب. ويخلق قانون حقوق التصاميم وبراءات الاختراع لعام ١٩٨٨ في المملكة المتحدة مثلًا خيالًا قانونيًا للأعمال التي تنئها الحواسيب حيث لا يوجد مؤلف بشري. وينص القسم ٩(٣) على أن "المؤلف يتوجب أن يكون الشخص الذي يتولى الترتيبات اللازمة لابتكار العمل.“ هناك فارق بسيط مهم وهو أن هذا النص يفترض شكلاً من أشكال التدخل الإبداعي من قبل الإنسان وليس إنشاءً ذاتيًا وأقل بشرية من قِبل برنامج حاسوب لوحده.
متطلب الأصالة
تضع السلطات القانونية العامة سقفًا متدنيًا للأصالة، فهي تتطلب الحد الأدنى من الإبداع أو الجهد الفكري والابتكار المستقل للعمل كي يُعتبَر قابلًا للحماية. وتشير كلمة ”أصالة“ في ذلك السياق إلى المؤلف على أنه ”أصل“ العمل، وليس إلى أي معيارٍ إبداعي.[4] وتتعامل بعض البلدان الأخرى مثل البرازيل مع الأصالة من الناحية السلبية، وتقول إن جميع أعمال العقل (البشري) التي لا تقع ضمن قائمة الأعمال المعرفة بوضوح على أنها "أعمال غير محمية“ من الممكن حمايتها.
بموجب قانون الاتحاد الأوروبي وقانون السوابق القضائية، يعتبر العمل أصليًا في حال عكس ”الابتكار الفكري الخاص للمؤلف“[5] أي التعبير عن اللمسة الشخصية للمؤلف ونتيجة اختياراته الحرة والإبداعية. ويرسي قانون الاتحاد الأوروبي والقانون الأمريكي باختصار الحاجة إلى أن يكون العمل نتيجة قريبة (مباشرة) سببها فِعلُ الإنسان. ويعني هذا ضمنيًا أن الذكاء الاصطناعي، كما هو مفهوم في الوقت الحالي على أنه ذكاء منفذ كليًا عبر الوسائل الحاسوبية، لا يمكنه أن يتخذ خيارات حرة وإبداعية من تلقاء نفسه وأن مفهوم الإبداع لا ينطبق على الآلات.
اقتصاد المخرجات الناشئة عن الذكاء الاصطناعي: الحوافز والأسواق واحتكار الاستغلال
بغض النظر عن نظريات حماية حقوق النشر وخلاصة مفاهيم التأليف والأصالة (والإشكالية الأكثر فرضية حول امتلاك الآلات شخصية وامتلاك حقوق الملكية الفكرية)، السؤال الحقيقي الذي ينبغي علينا أن نطرحه على أنفسنا متعلق بالبيئة الاقتصادية حول المحتوى الناشئ عن الذكاء الاصطناعي. هل هناك أي سوق للمحتوى الناشئ عن الذكاء الاصطناعي؟ هل يريد الناس حقًا الإصغاء لموسيقى بأسلوب فرقة نيرفانا من إنتاج الخوارزمية أو مهارة بيانو الذكاء الاصطناعي من Deep-mind التابعة لشركة غوغل، أو الحصول على شعور غامر في كتابات روبوت أدبي أو تعليق لوحة في غرفة المعيشة مثل لوحة لرامبرانت من إنشاء الحاسوب، أو نسخة أقرب إلى الكابوس من لوحة ليلة النجوم للفنان فان غوخ أو لوحة ضبابية لشخصية أرستقراطية خيالية، ناهيك عن الاضطرار لدفع المال مقابل أي من ذلك؟ وإن كان الأمر كذلك، هل من شأن المنتجات الناشئة عن الذكاء الاصطناعي أن تتنافس حقًا مع الأعمال الفنية والأدبية التي ينتجها البشر كسلع بديلة؟ هل من شأن مليارات المخرجات الناشئة عن الذكاء الاصطناعي التي يتم إنتاجها بشكل أسرع من أي شيء يمكن للإنسان أن ينتجه أو حتى يستهلكه أن تحتاج إلى أية حصرية (وهي ملقحة اصطناعيًا في السوق عن طريق ”احتكار“ حقوق النشر للاستغلال) من أجل تجنب إخفاق السوق؟
بالطبع قد يتوقع مطورو تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي أن يحصلوا على الحوافز للاستثمار في الابتكار والبحث والتطوير للمساعدة على حل مشاكل العالم وجعل الذكاء الاصطناعي مفيدًا للمجتمع قدر الإمكان. لكن حماية حقوق النشر الخاصة بالمخرجات ”الفنية“ من قبل نظام ذكاء اصطناعي ليست آلية مناسبة لتشجيع هذا التطور. ويعتبر التنافس غير الشريف وقانون براءة الاختراع (وإلى حد معين قانون حقوق النشر القائم الذي يحمي البرمجيات على أنها أعمالٌ أدبية) في وضع أفضل لتشجيع الابتكار وضمان العائد على الاستثمار من أجل تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
هناك حاجة لاستكشاف الذكاء الاصطناعي وفهمه بشكل صحيح قبل أن يتم النظر جديًا في حقوق النشر أو أية إشكاليات ملكية فكرية.
مع كل ما ذكر، وبقدر ما حققه الذكاء الاصطناعي من تقدم خلال السنوات القليلة الماضية، يبقى هناك انعدام للوضوح، ناهيك عن الإجماع، بشأن كيفية تعريف مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي حديث الولادة والمجهول. وتعتبر أية محاولة للتنظيم سابقة لأوانها، خصوصًا من خلال نظام حقوق نشر خاضع بالأصل للضرائب وتم شدّه لتغطية ما يفوق أهدافه الأصلية المنشودة. هناك حاجة لاستكشاف الذكاء الاصطناعي وفهمه بشكل صحيح قبل أن يتم النظر جديًا في حقوق النشر أو أية إشكاليات ملكية فكرية. ولهذا السبب ينبغي أن تبقَ المخرجات الناشئة عن الذكاء الاصطناعي في النطاق العام، على الأقل إلى حين التوصل إلى فهم أفضل لهذه التكنولوجيا الآخذة بالتطور.
―
تمت إعادة نشر هذا المقال من موقع https://creativecommons.org وفقًا لرخصة المشاع الإبداعي - Creative Commons، للإطلاع على المقال الأصلي.
حقوق الصورة: Love Art Science 95 تصميم Kollage Kid مرخصة برخصة المشاع الإبداعي النسب-غير تجاري-المشاركة بالثل CC-BY-NC-SA
[1] لا يوجد حتى الآن تعريفًا مقبولًا على نطاق واسع لمفهوم ”الذكاء الاصطناعي.“ نناقش بالتالي هذه المسألة بشكل عام ونرى لغاية النقاش حصريًا أن الذكاء الاصطناعي عبارة عن ذكاء أو محاكاة للذكاء، وهو ما يتم تنفيذه عبر آلة مؤتمتة كالحاسوب الرقمي.
[2] نظام جمعية المعلومات، 2001/29/ المفوضية الأوروبية.
[3] القضية C-145/10، ايفا ماريا بينر في مواجهة ستاندارد فيرلاغ محدودة المسؤولية في 1 كانون الأول 2011، محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي.
[4] بالنسبة لقانون السوابق القضائية الأمريكي بخصوص مفهوم الأصالة، انظر ألفريد بيل وشركاه في مواجهة شركة كتالدا فاين ارتس 191 F2nd، وشركة بالتيمور اوريوليس في مواجهة رابطة لاعبي دوري البيسبول الأمريكي 805 F2nd 663 (الدائرة السابعة، 1986) وشركة فيست ببلكاشن في مواجهة شركة رورال تيل سيرف 499 US 340 (1991).
[5] نظام المجلس 2009/24/المفوضية الأوروبية، المادة 1(3)، حماية برامج الحاسوب على اعتبار أنها ”ابتكار فكري للمؤلف“، نظام قواعد البيانات 96/9/ المفوضية الأوروبية، المادة 3(1)، القضية C‐5/08، Infopaq, ECLI:EU:C:2009:465، نظام جمعية المعلوومات، 2001/29/ المفوضية الأوروبية.