وضِعَت حرية البرمجيات لتكون ضمانة للتحكم بالبرامج ولتحديد ما يمكن للبرمجية أن تفعل، فأصبح المستخدم هو صاحب القرار فيما تفعله برمجية ما، وعندما تكون البرمجية هي من تقرر، ينظر إلى تلك البرمجية بأنها غير حرة. وفقًا لمؤسسة البرمجيات الحرة، تتحول هذه البرمجيات التي تتحكم بالمستخدم، لا العكس، إلى ”أداة لسلطة ظالمة“.

في قطاع المعلوماتية، تأصلت منذ زمن قيود على حرية التحكّم بما يحويه جهازك، والتي هي أشبه بضرب من ضروب تقييد الاستقلال الفكري للفرد، لتعترض حق التملّك تارةً وحق المعرفة تارةً أخرى. فمثلًا، نظام التشغيل ويندوز، الصادر من مايكروسوفت، له آليات تعديل أو تحديث برمجية مثبتة على جهاز دون علم أو موافقة المستخدم، أو أن تمنع شركات مثل شركة أبل أن تثبت برمجيتك الخاصة منذ صدور نظام «أي أو إس». 

كما قلت، فإن هذه الممارسات لا تخفق في ضمان حقك في استخدام الجهاز الذي تملكه بالطريقة التي تشاء فحسب، بل تتعدى ذلك لتصبح أداة لتقييد حق المعرفة. فكلنا نتذكر عندما حذفت شركة أمازون في عام ٢٠٠٩ نسخ من كتاب جورج أرويل «١٩٨٤» من كيندل دون معرفة المستخدمين القراء.

عادة ما ينظر إلى مسألة تغول البرنامج على مستخدميه بأنها مسألة عقائدية بالدرجة الأولى، فهي المحصلة للحريات البرمجية الأربع، وهي أوج جهود دعاة حركة البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر منذ نشأتها. إلا أن للمسألة أبعاد عملية، تتطلب التدخل عادة لإعادة التوازن بين سلطة البرنامج من جهة وحقوق المستخدم من جهة أخرى.

قد تكون الخصوصية الرقمية أبرز مثال على حق من هذه الحقوق والتي يتطلب نوعًا من تدخل السلطات، وذلك أن البرمجيات غير الحرة، كأداة للسلطة الظالمة، كثيرًا ما تتمدد في طغيانها لأن تحصد المزيد من بيانات المستخدم على حساب خصوصيته. لقد أدرك المشرع الكندي ذلك منذ وقت طويل، فأوجد عام ٢٠١٥ في قانون منع الرسائل الاقتحامية بندًا يمنع من تثبيت البرامج على جهاز المستخدم دون موافقته، حتى لو كان تحديثًا لبرمجية ثبتها المستخدم بنفسه.

كذلك، فإن تثبيت البرمجيات دون موافقة المستخدم أو معرفته، يشكل خطرًا أمنيًا أيضًا. فإن المستخدم على غير دراية بالبرنامج المثبت أصلاً، ليقوم بفحصه أو تتبعه، خاصة أن الأصل أن ننظر إلى هذه البرمجيات بأنها خبيثة —وليس غريبًا أن أكثر دعاة البرمجيات الحرة راديكاليةً يعتبرون مجمل البرمجيات غير الحرة بأنها برمجيات خبيثة.

ولعل آخر مسألة ظهرت حديثًا والمتعلقة بتثبيت برمجيات مايكروسوفت على خوادم لينكس —على بيئة Azure السحابية— مثال عملي على أن إزالة أي تحكم للمستخدم يسبب أضرارًا جسيمة من ناحية الأمن السيبراني. فقد تبين بأن عندما تنشئ خادمًا افتراضيًا، تثبت عليه برمجية «عميلة» لإدارة الخادم.

والمأساة هي أن مايكروسوفت لم توفر نظامًا للتحديث التلقائي، لذا عليك أن تحدّث يدويًا، على الرغم من أنك لم تعلم بوجودها أصلًا بما أنك لم تقم بتنزيلها أنت أولًا!

عمليًا، تبقى البرمجية غير محدثة، وقبل أيام كشفت مجموعة من الثغرات الأمنية التي تسمح للمخترقين بالتحكم بهذه الخوادم بكامل الصلاحيات، أوجدت مايكروسوفت مجموعة من الحلول لهذه الثغرات، تستدعي أن تجري تحديثًا للبرنامج العميل، ذلك البرنامج الذي لا تعرف حتى أنه موجود على خادمك.

تُذكرنا هذه الحادثة مرة أخرى بالضرر الناشئ عن أن نتخلى —جزئيًا أو كليًا— عن سلطتنا كمستخدمين على أجهزتنا، ليس من منظور نظري نابع من إيماننا بالحريات البرمجية فحسب، بل لأن في تطبيق ذلك أضرارًا حقوقية وتقنية، أضرارٌ لا وقاية منها إلا بتطبيق مبادئ المصدر المفتوح.